الجمهور الرياضي.. فريسة تضليل منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرياضية
منصة VAR – عبدالعزيز الفتح
أصبح نشر الشائعات بمختلف أنواعها وأشكالها مهنة عند البعض، مستغلين الظروف المحيطة بهم، والأحداث المتسارعة، ليبرزوا أمام الآخرين أنهم أصحاب السبق الصحفي، وكأنهم المصدر الرسمي للحقائق، ومع الظهور الأول للجنس البشري، ظهرت الشائعات مواكبة لحياتنا، ثم تطورت مع التطور المواكب لنا، لتبدأ هذه الشائعات تستخدم لتحقيق مصالح معينة، وازداد انتشارها مع ظهور وسائل الإعلام بكافة أشكالها، ومع التطور التكنولوجي ودخول الإعلام الرقمي إلى حياتنا، يشهد العالم انتشارًا واسعًا لكميات مرعبة من المعلومات المضللة، والأخبار الكاذبة، والبيانات المزيفة، والصور المفبركة في كافة المجالات ليأخذ المجال الرياضي جزءًا من هذا التضليل الإعلامي.
المجال الرياضي كغيره من المجالات أصبح مكانًا خصبًا لتناقل الشائعات، ومما لا شك فيه أنّ بعض وسائل الإعلام الرياضية وكذلك المروجين للشائعات يستغلون الأحداث ذات الشعبية الكبيرة لنشر شائعاتهم وإيصالها لأكبر عدد ممكن من الناس، فعلى سبيل المثال لا الحصر مرحلة الانتقالات الشتوية والصيفية على مستوى العالم تشهد الكثير من التضليل الإعلامي الرياضي، ومع كثرة مؤسسات الإعلام الرياضية وتنافسها في نقل الأخبار فإن يؤدي ذلك الى انتشار الشائعات، من خلال اعتمادها على مصادر عشوائية أكثر من المصادر الأصلية والحقيقية.
تزداد الشائعات مع بداية الاستعداد للدوريات وانطلاقها، وخلال سوق الانتقالات الصيفية والشتوية، وفي البطولات والمحافل العالمية الكبرى، وعلى الرغم من وجود مصادر المعلومات الرسمية ووجود المؤسسات والمنصات التي تحارب التزييف والتضليل، إلا أن تضليل الجمهور مستمر، ويتوسع بشكل كبير، مثل الشائعات التي تصاحب انتقالات اللاعبين، كميات مرعبة من المعلومات المضللة، والأخبار الكاذبة، والبيانات المزيفة، والصور المركبة، وحملات دعائية يقودها أنصار الأندية لصالح أنديتهم تتحدث عن انتقال هذا النجم إلى نادي كذا، ومما يزيد الطين بلة أن المؤسسات الإعلامية والحسابات والصفحات المهتمة بالمجال الرياضي تعتمد -فيما يخص الانتقالات- على تنبؤات مستقبلية مما يؤدي إلى انتشار كميات مهولة من الأخبار المضللة.
ورقة بحثية أعدها أستاذ الصحافة في جامعة سيفيل، خوسيه توريخوس، وزميله ماثوس ميلو، أوضحت أن وسائل الإعلام الرياضية السائدة تنشر كمية زائدة من معلومات عن كرة القدم تصعّب أحياناً فصل الشائعات عن الأخبار الحقيقية، وحلّلت ورقة الباحثَين مستوى التضليل في تغطية الانتقالات الشتوية لكرة القدم لعام 2020م في أربع وسائل إعلام رياضية رقمية أوروبية رائدة، وهي صحيفة ماركا الإسبانية، و”آ بولا” البرتغالية، و”لاغازيتا ديلو سبورت” الإيطالية، و”ذا غارديان سبورت” البريطانية.
ولاحظ الباحثان أن التغريدات التي نشرتها جميع وسائل الإعلام الرياضية المدروسة، باستثناء ماركا، احتوت على شائعات أكثر، وتصل نسبة الشائعات إلى 77.4 في المائة.
وسادت التقارير التخمينية في تغطية الفرق الكبرى في كل دوري، وركزت وسائل الإعلام عليها. ومثلاً، تؤكد النتائج أن المنابر الإعلامية الرياضية تميل إلى نشر عدد أكبر من التغريدات والأخبار حول عمليات انتقال/استعارة لاعبي كرة القدم غير المؤكدة مقارنة بالصفقات المبرمة.
لوحظت أنواع مختلفة من الأخطاء في تغطية جميع وسائل الإعلام الرياضية، واستندت غالبية الإشاعات إلى المحتوى المخفي في التقارير، بينما في كثير من الأحيان، كانت هناك كمية أكبر من الأخبار غير الموثوقة والمحتوى المعادة صياغته في سياق خاطئ ومضلل.
ولم تتورع وسائل الإعلام الرياضية عن نشر عدد من المعلومات والتكهنات والبيانات الواردة من مصادر مجهولة، والتي في سياق الأحداث، قد تكون صحيحة عندما يُعلن عن الصفقات أو التوقيعات أو تأكيدها من قبل المصادر الرسمية (الأندية).
وتباينت دقة وسائل الإعلام الرياضية الأربعة في تغطيتها اعتماداً على الأندية واللاعبين المعنيين. وتشير نتائج البحث إلى أن الشائعات حول الأندية الكبرى أقل صحة بشكل عام من تلك المتعلقة بالفرق الصغيرة.
على سبيل المثال، احتوت تغطية ماركا نافذة الانتقالات الشتوية لكرة القدم 2020م على المزيد من القيل والقال عند الحديث عن ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيكو مدريد. في المقابل، كانت تغطيتها بقية أندية كرة القدم في الدوري الإسباني أكثر واقعية.
ويوضح هذا البحث مدى انتشار مزيج الحقائق والشائعات في تغطية الانتقالات في كرة القدم، وكيف يضلل ذلك الجماهير.
مصادر الورقة البحثية: مصدر 1 – مصدر 2
هكذا اعتمدت الصحافة الرياضية على مبدأ التنافس مع الآخرين مما أدى إلى نشر معلومات مضللة من خلال اعتمادها على مصادر عشوائية أكثر من التقارير والمصادر الأصلية والحقيقية.
كأس العالم قطر 222 والتضليل الإعلامي المصاحب لها
ولأن المحافل الرياضية الكبرى تحظى بمتابعة واسعة، كان كأس العالم قطر 2022م أيضًا وجبة دسمة لمروجي الشائعي وطالبي السبق الصحفي والشهرة على حساب الحقيقة والمهنية، حيث شهدت البطولة انتشار كميات مرعبة من المعلومات المضللة والشائعات من قبل انطلاق البطولة يوم 20 نوفمبر 2022م، وحتى نهاية البطولة يوم الأحد 18 ديسمبر 2022م.
منصة مسبار لفحص الأخبار وتقصي الحقائق وكشف الكذب نشرت 196 فحص حقائق وكذلك نشرت 30 مدونة تناولت قضايا عدّة متعلقة بالمعلومات المضللة عن المونديال، وحمل القسم الأكبر من مواد فحص الحقائق تصنيف مضلّل، بـ108 خبرًا، تلاه تصنيف زائف بواقع 84 مادة، فيما نشر “مسبار” مادة واحدة بتصنيف ساخر، وواحدة بتصنيف صحيح، وأخرى عن ادّعاء ينطوي على إثارة. المصدر
منصة VAR لرصد وتدقيق الأخبار الرياضية عملت أيضًا على رصد عدد من الشائعات التي واكبت مونديال قطر 2022م، حيث دققت عددًا من الادعاءات ما بين ادعاءات مضللة وأخرى مزيفة.
للاطلاع: تقرير منصة VAR عن الشائعات التي واكبت مونديال قطر 2022م
وهكذا لعبت وسائل الإعلام الرياضية في الواقع دورًا مهمًا في نشر القصص غير الواقعية، والتي تتعارض مع المعايير المهنية والقواعد الأخلاقية وأدوات المساءلة الأخرى التي تهدف إلى تغطية الرياضة بشكل مسؤول.
ومثلما كانت وسائل الإعلام الرياضية جزءًا بارزًا في عملية التضليل الإعلامي الرياضي، كانت مواقع التواصل الاجتماعي هي الوجة الآخر لنشر الشائعات بشكل عام، ومنها الرياضية، فقبل عشر سنوات، تنبهت الأمم المتحدة لخطورة انتشار الأخبار المضللة والشائعات والأكاذيب؛ لذا خصّصت الأسبوعَ الأخير من شهر أكتوبر من كلّ عام أسبوعًا عالميًا للدراية الإعلامية والمعلوماتية، بهدف «نشر معلومات واقعية وهادفة وواضحة ومتاحة ومتعددة اللغات وعلمية، وبرغم هذه الخطوة الا أن هذه العشر سنوات الماضية شهدت ارتفاعًا كبيرًا في المعلومات المضللة، بسبب زيادة تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، ومع التطو التكنولوجي خلال السنوات الأخيرة والذي شكل تحديًّا كبيرًا لممارسة العمل الإعلامي وكذلك تعدد منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك – توتير – انستغرام – واتساب وغيرها)، واتساع نطاق انتشارها وازدياد جمهورها الذي أكسبها تأثيرًا قويًا في استقطاب المتابعين وجعلها وسائل رئيسة في الدعاية ونقل الأخبار وإيصال المعلومات الى المتابعين.
منصة VAR المتخصصة في رصد وتدقيق الأخبار الرياضية منذ إعلان انطلاقها يوم 27 سبتمبر 2022م، وخلال عامها الأول فقط رصدت أكثر من 100 مادة في مواقع التواصل الاجتماعي، عمل فريق تقصي الحقائق للمنصة على تدقيقها حيث توزعت كالآتي: 44 مادة مزيفة، و42 مادة مضللة و20 مادة صحيحة. المصدر
المواد المرصودة تبين كمية التضليل الإعلامي الرياضي في مواقع التواصل الاجتماعي حيث كانت نسبة المواد المزيفة المضللة 86% فيما كانت المواد الصحيحة 14% فقط لنشاهد حجم نقل الشائعات الرياضية للجمهور الرياضي.
وهكذا تستمر وسائل الإعلام والصفحات والمنصات الرياضية على مواقع التواصل الاجتماعي في عملية تضليل الجمهور الرياضي، طلبًا للشهرة والربح المادي دون مراعاة للمهنية والمسؤولية التي تقع على عاتقها.