مونديال قطر والتضليل الإعلامي الرياضي
فريق التحرير
وجدت الشائعات منذ عصر الإنسان الأول، وتطورت بتطور الحضارات الإنسانية، وأصبحت تستخدم كسلاح فتاك لتحقيق أهداف أيديولوجية معينة، وازداد انتشارها بشكل أكبر مع ظهور وسائل الإعلام بكافة أشكالها إذ أتاحت هذه الوسائل للشائعات سرعة الانتشار والوصول لأكبر عدد ممكن من الجمهور.
ومع اقتحام الإعلام الرقمي لحياتنا، يشهد عصرنا الحالي انتشارًا واسعًا لكميات مرعبة من المعلومات المضللة، والأخبار الكاذبة، والبيانات المزيفة، والصور المفبركة في كل المجالات.
ولم يعد الأمر مقتصرًا على تضليل الإعلام السياسي والإعلام الاقتصادي، بل توسع لكي يصل إلى الإعلام الرياضي من أجل تحريف المعلومات وتحويلها عن مواردها الأساسية ومصادرها الرسمية ومسارها الحقيقي.
ومما لا شك فيه أنّ المروجين للشائعات يستغلون الأحداث ذات الشعبية الكبيرة لنشر شائعاتهم وإيصالها لأكبر عدد ممكن من الناس، ولعل من أكبر الأحداث وأهمها هي بطولة كأس العالم لكرة القدم والتي أقيمت النسخة الأخيرة منها في قطر وانتهت قبل أيام، وقد انتشرت الشائعات خلال البطولة بشكل مهول.
نحن في منصة VAR المتخصصة بكشف الأخبار الرياضية المضللة والمزيفة ومحاربة الشائعات،قمنا برصد أبرز الأخبار المضللة والمزيفة التي انتشرت خلال المونديال والتحقق منها، وعرض الحقيقة كاملة، ولم نكتفِ في بعض الأوقات بهذا، بل أوردنا توضيحات تُجيب عن أسئلة متعلقة بالحقيقة قد تدور في أذهان الجمهور. التقرير الآتي يسرد أبرز عشر شائعات انتشرت في فترة المونديال مع تفصيلاتها.
ساديو ماني ينافح عن قطر
قبيل انطلاق المونديال بأسابيع.. شنت اتحادات كرة قدم أوروبية ووسائل إعلام غربية حملات مكثفة ضد تنظيم دولة قطر للمونديال ووصفته بخطأ الفيفا الذي لا يغتفر، بسبب ما وصفته بإخلال الحكومة القطرية بحقوق العمال في منشآت المونديال خاصة، وحقوق الإنسان عامة، الأمر الذي دفع بعض رواد وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة العرب منهم للقيام بحملة مناهضة دفاعًا عن قطر، وتعاطفًا معها، هذا التعاطف دفع البعض إلى نشر تصريح كاذب منسوب للاعب بايرن ميونخ الألماني والمنتخب السنغالي ساديو ماني يدافع فيه عن قطر
تقصت المنصة وتحرّت حول صحة الأمر، ووجدت أن التصريح ملفق ولم يصدر عن اللاعب، لأن التصريح لم يُنشر في أي حساب يخص اللاعب أو أي مواقع أو حسابات موثوقة.
المنتخب الغاني يصل قطر.. بدون قمصان!
وتستمر الشائعات قبيل انطلاق المونديال، فقد نُشر خبر يدعي أن وفد المنتخب الغاني المسافر للمشاركة إلى قطر، نسي القمصان الخاصة بالمنتخب الغاني.
تواصلت منصة VAR بريديًّا مع الاتحاد الغاني لكرة القدم، والذي أكدّ في رده للمنصة أن الأخبار المتداولة حول الأمر “أخبار مزيفة”.
من جهته نفى المتحدث الإعلامي لمنتخب النجوم السوداء الخبر في تصريح خصّ به قنوات الكأس القطرية.
مباراة افتتاح المونديال.. مباراة الوداع للمعلق يوسف سيف
معلقو المباريات لم يستثنوا من التضليل، فمعلق قنوات beIN Sports الشهير يوسف سيف، أُعلن أنه سيعتزل التعليق بحسب خبر نشر في عدة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، الخبر يقول: (اعتزال المعلق الرياضي الشهير يوسف سيف عن التعليق، ومباراة افتتاح المونديال بين قطر والإكوادور ستكون الأخيرة له.)
تحقق فريق المنصة من الخبر وتبين أنه إشاعة ولا صحة له، حيث نفى المعلق يوسف سيف الخبر وذلك عبر فيديو ( هنا ) نُشر في صفحة مقدم قنوات beIN Sports الإعلامي أيمن جادة.
مورغان فريمان.. مسلمًا:
العشرون من نوفمبر كان هو اليوم الموعود، الساعة الخامسة بتوقيت مكة ابتدأ حفل افتتاح المونديال، وبعد انتهاء الحفل بدقائق، انتشرت بشكل واسع أخبار تدعي إسلام الممثل الأمريكي مورغان فريمان بعد تقديمه لحفل الافتتاح.
تحققت المنصة من الأخبار التي تزعم اعتناق فريمان للإسلام، ليتضح أنها مزيفة لا أساس لها من الصحة، فريمان لم يعلن عن اعتناقه للإسلام في أي حساب من حساباته، ولم تنشر الخبر أي قناة أو موقع أو مصدر موثوق.
شارة القيادة بألوان فلسطينية
بعد مباراة افتتاح المونديال والتي خسرها المنتخب القطري بهدفين نظيفين أمام المنتخب الإكوادوري، نشرت عدة حسابات هنا هنا هنا في مواقع التواصل الاجتماعي أخبارًا مرفقة بصورة مفبركة تفيد بأن حسن الهيدوس، قائد المنتخب القطري، ارتدى شارة قيادة مصبوغة بعلم دولة فلسطين أثناء المباراة
فريق المنصة راجع تسجيل المباراة وتم التحقق من الشارة الموجودة على ذراع اللاعب حسن الهيدوس، وتبين أنها لا تحمل علم فلسطين، وعند إجراء تغيير من قبل مدرب المنتخب القطري بإخراج الهيدوس وإدخال اللاعب يوسف عبدالرزاق، اتضحت الصورة أكثر، إذ أظهرت لقطة للقائد حسن الهيدوس شارة زرقاء ليس عليها علم فلسطين، وقام الهيدوس بتسليمها للاعب البديل الذي بدوره سلمها للحارس سعد الشيب.
الركراكي يتنكر لعروبيته.. وراموس الإسباني “مشجع مغربي”
بعد انتهاء المؤتمر الصحفي لمدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي الذي سبق مواجهة المنتخب الإسباني في ثمن النهائي، نشر حساب على تويتر يحمل اسم “الأحداث الأمريكية” خبرًا (حُذِف لاحقًا) يزعم فيها أن الركراكي تنكر لعروبيته عند سؤاله عما إذا كانت المغرب تمثل العرب، فكان رد المدرب بأن المغرب يمثل دولة المغرب أولاً ثم أفريقيا ثانياً.
فريق المنصة تحقق من الأمر وأعاد مشاهدة المؤتمر الصحفي ووجد أن التصريح الذي نشره الحساب المذكور مضلل لأنه مجتزأ من السياق، المدرب المغربي رد على السؤال بأن الأولوية هي رفع الراية المغربية بالمونديال وهو يلعب من أجل العرب والأفارقة بشكل عام وسعيد بالمساندة من الجماهير العربية الأفريقية.
وبعد المباراة التي انتهت بتأهل المنتخب المغربي على حساب المنتخب الإسباني بركلات الترجيح، نشرت بعض الحسابات صورةً معدلة تظهر راموس محتفلاً، وادعت أنه يحتفل بإقصاء الماتادور الإسباني، تحقق الفريق من صحة الادعاء عبر البحث العكسي عن الصور واتضح أن الصورة تعود للعام 2018م، عندما احتفل راموس بفوز زميله في ريال مدريد وقائد المنتخب الكرواتي لوكا مودريتش بجائزة الكرة الذهبية.
ملعب 974 يودع قطر نحو تونس والأردن والعراق
يعتبر ملعب 974 أول ملعب قابل للتفكيك في تاريخ كأس العالم، ويمكن إعادة توجيه ملعب 974 لبناء ملعب من نفس الحجم أو عدة ملاعب أصغر، وسيُقدّم للدول التي تحتاج للمقاعد في إطار التنمية، كما ستتم إعادة الاستفادة من الحاويات والمواد التي تم استخدامها في البناء لصالح الدول التي تفتقر إلى بنية تحتية رياضية، وكانت مباراة البرازيل وكوريا الجنوبية في دور الستة عشر لمونديال قطر، هي آخر مباراة يحتضنها ملعب 974، أحد الملاعب الثمانية المخصصة للبطولة، وبعد المباراة التي انتهت بفوز المنتخب البرازيلي انتشرت شائعات تقول أن قطر بدأت تفكيك ملعب 974 وتهديه لعدد من الدول العربية منها تونس والأردن والعراق.
بعد البحث والتحري اتضح أن الخبر مضلل لأن وكالات الأنباء الرسمية في الدول الأربع المذكورة في الادعاء لم تورد أي خبر حول الموضوع، ولم يذكر في أي قناة معتبرة، أو مواقع أو حسابات موثوقة. كذلك لم تذكر قطر متى سيتم البدء في تفكيك الملعب، كما لم تذكر اسم الدولة التي سوف تستفيد منه، ولكن التقارير أشارت إلى أن الدول الفقيرة هي التي ستحظى بالنصيب الأوفر منه.
كأس العالم يعود إلى الشرق الأوسط من بوابة السعودية
بعد مرور أيام على انطلاق المونديال، شاهد الجميع التنظيم القطري الناجح للمونديال، وأشادوا به وعلى رأسهم رئيس الفيفا، السويسري جياني إنفانتينو، الأمر الي دفع ببعض الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي إلى نشر خبر يشير إلى أن المملكة العربية السعودية قدمت -رسميًّا- ملفًا مشتركًا مع مصر واليونان لاستضافة كأس العالم 2030م.
المنصة قامت بدورها في التحري عما إذا كان الخبر صحيحًا، ووجدت أن الخبر غير صحيح، فقد نفته وزارة السياحة السعودية في تغريدة نشرتها الوزارة في حسابها الرسمي على تويتر:
وأوضحت المنصة لمتابعيها الأعزاء أن المملكة السعودية -كما أوردت بعض التقارير- تنوي التقدم بعرض مشترك مع مصر واليونان لاستضافة العرس الكروي العالمي 2030م، لكنها لم تقدم عرضًا رسميًّا حتى لحظة نشر التحقق من الادعاء.
ميسي.. وجه عملة جديدة في الأرجنتين:
مع انتهاء المونديال، وعودة راقصي التانجو إلى بلادهم محملين بكأس البطولة الأغلى، انتشرت في بعض الحسابات والصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لعملة أرجنتينية فئة 1000 بيزو أرجنتيني تحمل في وجهها الأمامي صورة ليونيل ميسي، وفي وجهها الخلفي صورة لاعبي المنتخب الأرجنتيني، قال ناشروها أن البنك المركزي الأرجنتيني قام بطباعتها تكريمًا للاعبين بهذا الإنجاز.
تحقق فريق منصة VAR وتبين بأن الخبر مضلل حيث لم يصدر أي إعلان رسمي من البنك المركزي أو الحكومة الأرجنتينية بطباعة تلك العملة، وأكدت تقارير صحفية أرجنتينية أن صورة العملة المتداولة ما هي مجرد إلا مخطط تخيلي.
وحسب التقارير، فإن البنك المركزي الأرجنتيني يدرس مشروع إصدار عملة تكريمية للاعبي المنتخب الأرجنتيني عقب إنجازهم التاريخي بتحقيق كأس العالم 2022م، لكن القرار لم يحسم بعد، واعتمدت المنصة في تحققها على المصادر الآتية: هنا هنا هنا هنا
ويعتبر ما ورد أعلاه جزءًا من التضليل الإعلامي الرياضي الذي واكب كأس العالم قطر 2022م رغم وجود مصادر المعلومات الرسمية والموثوقة.
وهكذا يمارس التضليل الاعلامي من دون أي إحساس بالمسؤولية تجاه أخلاقيات المهنة الإعلامية، من أجل تزيين الأكاذيب، وإخفاء الحقائق عن الجمهور عبر الوسائل الإعلامية المختلفة (التقليدية والرقمية) وإغراق مواقع التواصل الاجتماعي بالأخبار والمعلومات المزيفة والمحرفة.