أكاديميون سعوديون يسيسون التغير المناخي والحقائق العلمية تدحض
شهاب العفيف ومجد الجنيد
في الثامن عشرِ من تمُّوز/يوليو الماضي 2023، نشر موقع “عاجل” السعودي، خبراً اعتمد مصدره على أستاذ الفيزياء وعلوم الفضاء السعودي، الدكتور عبدالرحمن مغربي، جاء فيه أن “التغير المناخي بنسبة 99% مؤامرة من قبل الأمم المتحدة لفرض ضرائب على الدول المصدّرة للبترول”، وفق الموقع.
وأضاف الادعاء نقلاً عن فيديو لبرنامج “اليوم” المذاع عبر قناة الإخبارية السعودية، أن “التغير المناخي موضوع سياسي أكثر منه علمي”، وحصد الفيديو المنشور على حساب البرنامج في موقع “X” تويتر سابقًا، والذي يتابعه 35.640 ألف متابع، على 25.200 ألف مشاهدة.
وعلى الرغم أن الدكتور في حديثه المصور ذكر أن النسبة 99.9%، من موضوع التغير المناخي “سياسي أكثر ما هو علمي”، ولم ترد على لسانه كلمة “مؤامرة من الأمم المتحدة”؛ إلا أن قناة “الإخبارية” السعودية ساقتها في الخبر، ثمّ نقلها عن القناة بعض المواقع والصحف السعودية من دون التحقق مما ذكر على لسان الدكتور. فتمّ تداول الخبر لدى كل من صحيفة سبق الإلكترونية ، وصحيفة المرصد، وصحيفة صدى الإلكترونية، وهاشتاق السعودية، ومع ذلك فقد تجاهل الدكتور مغربي مصادر ودراسات علمية تؤكد أسباب مشكلة تغير المناخ.
يقول أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك بجامعة الحديدة، استشاري دولي للتغيرات المناخية والتقييم البيئي في اليمن الدكتور عبدالقادر الخراز، إن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ipcc تصدر تقارير سنوية عن التغير المناخي عبارة عن بيانات وتفاصيل دقيقة جداً، ويشارك بهذه التقارير علماء مختصون من مختلف أنحاء العالم، والتي تثبت أن التغير المناخي حقيقة علمية، وليس كما يروّج لها من قبل بعض منكري تغير المناخ.
في 20 آذار/مارس 2023، أكد تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) -التي تتألف من خبراء وعلماء من جميع أنحاء العالم- أن درجة حرارة العالم ارتفعت بالفعل بواقع 1.1 درجة مئوية مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، قبل أن يبدأ البشر في حرق الوقود الأحفوري، فضلاً عن استخدام الطاقة غير المتكافئة وغير المستدامة واستخدام الأراضي.
كما تؤكد وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (NASA)، بالحقائق العلمية والإجماع العلمي عبر أدلة ودراسات استقصائية خلال العقود الماضية، بأن الأنشطة البشرية أدت إلى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض وأحواض المحيطات، حيث تُظهر بيانات درجة الحرارة -وفق وكالة ناسا- ارتفاعاً سريعاً في درجات الحرارة العالمية في العقود القليلة الماضية، وأن عامي 2016 و2020، هما أكثر الأعوام دفئاً منذ عام 1880.
ويشير الدكتور عبدالقادر الخراز إلى أن تغير المناخ ظاهرة طبيعية، وحدثت في الكرة الأرضية منذ آلاف السنين، وأن مايحدث اليوم هو زيادة حدة التغيرات المناخية، التي أثرت بشكل كبير في سكان الأرض؛ وهذا ناتج عن الكثافة السكانية، والاستخدامات غير الصديقة للبيئة، والانبعاثات الكربونية.
قام معدّا التقرير برصد عدد من الأخبار المنشورة والتي تشكك في حقيقة التغير المناخي الناجم عن التلوث والاحتباس الحراري، في ثلاثة مواقع إعلامية سعودية لديها وصول لعدد كبير من الجمهور في وسائل التواصل الاجتماعي داخل السعودية، وهي:موقع العربية نت، وصحيفة عكاظ، وموقع عاجل السعودي.
وركّّز الرصد على الفترة ما بين آب/أغسطس 2021 وحتى آب/أغسطس 2023، بالإضافة لعدد من التغريدات لناشطيين سعوديين على منصة ” X ” (تويتر سابقاً).
ووجدنا بعض الادعاءات المتكررة -إلى جانب الادعاء أعلاه- التي يروّج لها منكرو التغيرات المناخية، مثل تغير المناخ كذبة ومؤامرة، ودراسات ظاهرة الاحتباس الحراري والحد من الانبعاثات غير دقيقة تقوم على شعارات لا أساس لها، والتغير المناخي فكرة يسودها الشك.
ويمكن الرد على هذه الادعاءات التي تشكك في حقيقة تغير المناخ، والاحتباس الحراري، من خلال عدة مصادر، منها الجمعية الفيزيائية الأمريكية، التي أشارت إلى أن العديد من الأدلة تدعم وتؤكد بقوة النتيجة التي مفادها، أن الغازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية، أصبحت السبب الرئيسي والمحرك المهيمن لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، الذي لوحظ منذ منتصف القرن العشرين.
فيما العلماء في وكالة ناسا، أكدوا -في تقارير وبيانات الوكالة- أن المعلومات العلمية الطبيعية (مثل عينات الجليد، والصخور، وحلقات الأشجار) والمعدّات الحديثة (مثل الأقمار الصناعية والأدوات) تظهر جميعها علامات تغير المناخ، وأن النشاط البشري هو السبب الرئيسي.
فيما الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تؤكد أن مقدار الدفء الذي سيصبح عليه كوكب الأرض، يعتمد على كمية ثاني أكسيد الكربون التي نضعها في الغلاف الجوي، وأنها السبب الرئيسي للاحتباس الحراري، وأن الانبعاثات الماضية أوصلتنا إلى مناخ اليوم.
وبحسب الهيئة، أنه للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، يعتمد على مدى السرعة التي يمكننا بها التوقف عن إضافة ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.
وهو ما أكدته أيضاً مايقرب من 200 منظمة علمية في جميع أنحاء العالم، أن تغير المناخ سببه العمل البشري.
أستاذ المناخ بجامعة القصيم سابقاً، نائب رئيس جمعية الطقس والمناخ السعودية عبدالله المسند، قال في تغريدة له، في 22 أغسطس 2023، “إن الاحترار العالمي الذي غير المناخ حقيقة علمية ملموسة، ومحسوسة، ومرصودة، وظاهرة علمية موثقة وليست مؤامرة.
وأضاف أن التغير المناخي قد وُظف من قبل الغرب ضد الدول المصدرة للنفط لابتزازها؛ ما دفع طائفة أخرى إلى إنكار التغير المناخي جملة وتفصيلاً، ووصفوا المشكلة بالمؤامرة التي تحاك لمصدري النفط خاصة من الدول العربية، وعلى وجه التحديد الخليجية وأن المناخ لم يتغير، وفق المسند، وحصدت تغريدة المسند الذي يبلغ عدد متابعيه أكثر من 651 ألف متابع، على 66.300 ألف مشاهدة.
ويتفق الدكتور الخراز مع المسند، حيث يقول إن تصريحات بعض وسائل الإعلام السعودية والناشطين، ليست إنكاراً علميّاً وإنما إنكار سياسي ومحاولة للتهرب من أن يكونوا مسجلين ضمن المساهمين الرئيسيين للتغير المناخي.
وعن دور الأمم المتحدة والمنظمات ذات العلاقة بالمناخ والبيئة، في الحد من مكافحة المعلومات المنكرة للتغير المناخي، أوضح الخراز أن الأمم المتحدة ليست جهة تنفيذية وإنما فقط توجّه الدول بالمخرجات التي يجب عليهم تنفيذها.
وعلى نقيض ما أوردته تلك الادعاءات النافية لتسبب النشاط البشري في الغازات الدفيئة، تعترف المملكة العربية السعودية بوجود التغير المناخي، مع تأكيدها في الحين نفسه “على أن زيادة الاستثمار للحد من الآثار البيئية الناجمة عن إنتاج الوقود الأحفوري واستهلاكه يُعدّ ضرورياً جداً لتحقيق الأهداف البيئية التي تمّ الاتفاق عليها في مؤتمر باريس، وأنها لا تزال ملتزمة بتلبية احتياجات العالم من الطاقة عبر التحوُّل التدريجي نحو مستقبل بيئي أكثر استدامة”، حيث صادقت المملكة في عام 2016 على “اتفاقية باريس للمناخ” التي تهدف إلى الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وزيادة درجة الحرارة العالمية.
كما أعلنت السعودية في عام 2021، عن مبادرة السعودية الخضراء، التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، وفق موقع المبادرة الرسمي.
ووفقا لموقع “عالمنا في بيانات” Our World in Data -وهو موقع يهتم بتقديم الأبحاث والبيانات المختلفة، ويحوي قاعدة بيانات جميع الدول الخاصة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة، وتبلغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الاحفوري والصناعة في المملكة العربية السعودية 6.305.820.000 مليار طن خلال فترة 10 سنوات من 2012 إلى 2021 .
رابط تفاعلي للانبعاثات الكربونية من الوقود الأحفوري والصناعة في السعودية
وتبلغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية من الوقود الأحفوري والصناعة، للملكة العربية السعودية منذ عام 1936، وحتى 2021، تبلغ 16.71 مليار طن، وفقاً لذات الموقع.
رابط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية منذ 1936 – 2021م
وعند النظر إلى هذه الأدلة والحقائق العلمية المتعلقة بالتغير المناخي الناتج عن الاحتباس الحراري، يتضح أن ما نشر بأن هناك أسباباً أخرى وراء التغير المناخي أهم من النشاطات البشرية وحرق الوقود الأحفوري، وأن التغير المناخي مدفوع بالسياسة؛ كل هذا يعدّ مواقف سياسية بالدرجة الأولى، تتجاهل ما توصلت إليه العشرات من الجهات العلمية المعتبرة والموثوقة.
تم إنجاز هذا التقرير كمشروع تخرج للمدقق مجد الجنيد من دبلوم أريج لتدقيق المعلومات من الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) ضمن مشروع دليل، بدعم من الاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع مؤسستي سايرين وجوسا.