الشائعات الرياضية وأهمية مكافحتها أثناء التغيرات المناخية
عبدالعزيز الفتح*
يتسبب التغير المناخي في زيادة عدد الظواهر المناخية الشديدة مثل موجات الحر والجفاف والفيضانات والأعاصير، وتشير الهئية الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ “IPCC” إلى أنّ عدد موجات الحرّ قد ازدادت منذ عام 1950، وأن عدد الليالي الحارة قد ارتفع في جميع أنحاء العالم، كما أن عدد الأعاصير وقوة العواصف المدارية واستمراريتها قد ارتفع عن ذي قبل، مع تزايد الأعاصير المدارية منذ عام 1970.
أدى التغير المناخي إلى تحولات هائلة في بنية كوكبنا الجيولوجية والبيولوجية وأنظمته البيئية، وربما تكون هذه التحولات دائمة وللأسف، ولم تقتصر تأثيرات هذه التغيرات على البيئة الطبيعية، بل امتدت لتشمل جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الرياضة، ففي فصل الشتاء، باتت درجات الحرارة المضطربة والثلوج المتناقصة تهدد ممارسة الرياضات الشتوية، أما في بقية الفصول، تشكل الظواهر الجوية القاسية مثل موجات الحر والأعاصير خطراً على صحة الرياضيين ومنظمي المناسبات والمشجعين على حد سواء، ونتيجة لذلك، باتت التغيرات المناخية تلقي بظلالها على جميع الرياضات، دون استثناء.
التغيرات المناخية سبب في نشر الشائعات
ومع تسارع وتيرة التغيرات المناخية، تبرز أيضا تحديات جديدة تواجه الإعلام بشكل عام، والإعلام الرياضي بشكل خاص، هذه التحديات هي التضليل الإعلامي ونشر الشائعات، والذي يشمل نشر معلومات مغلوطة أو مضللة أو صور مفبركة أو مولدة بالذكاء الاصطناعي، ويعدّ هذا التحدي واحدًا من أهم التحديات، الذي يتطلب جهودًا متضافرة لضمان نقل معلومات دقيقة وموثوقة للجمهور.
وبسبب التغيرات المناخية شهدت عدد من الأنشطة الرياضية العالمية تغيرات في مواعيدها وأماكن إقامتها وكانت التغطية الإعلامية للأحداث الرياضية المتأثرة بالمناخ قد شهدت معلومات دار فيها الجدل مابين الصواب والخطأ، ومن هذه الأحداث: تأجيل ماراثون بوسطن عام 2019 بسبب موجة الحر، وعام 2014 تم تعليق المباريات في جميع الملاعب الخارجية في بطولة أستراليا المفتوحة بسبب الحرارة، وأيضا دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي في عام 2014، التي احتاجت إلى استخدام الثلج الاصطناعي بسبب ذوبان الجليد في الملاعب الأولمبية، وكذلك إلغاء المباريات في كأس العالم للعبة الرجبي عام 2019، بما في ذلك لقاء إنجلترا مع فرنسا، بسبب إعصار هاغيبس، ونُقل مكان الماراثون في أولمبياد طوكيو عام 2021 بسبب المخاوف من الحرارة الشديدة، إذ تحدث الكثير من المتنافسين عن الظروف القاسية في “أكثر دورة للألعاب حرارة” على الإطلاق، كما تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050، يمكن أن يشهد واحد من كل أربعة ملاعب في الدوري الإنجليزي حدوث فيضانات كلّ عام.
وبينما يشهد العالم تغيرات مناخية متسارعة، تزداد الحاجة إلى توخي الدقة في نقل الأخبار الرياضية، حيث أن الشائعات الرياضية قد تؤدي إلى تشويه الحقائق وإثارة البلبلة، وهو ما يتطلب جهودًا مضاعفة للتحقق من المعلومات ونشر الوعي، لأنّ هذه الشائعات تشكل تحديًا كبيرًا في جهود مكافحة التغيرات المناخية، حيث يمكن أن تُعيق التقدم وتُثبط العزيمة عن العمل.
التغيرات المناخية والتضليل الإعلامي.. علاقة طردية
التغيرات المناخية والتضليل الإعلامي الرياضي يكوّنان علاقة طردية سلبية، فيمكن أن تُستخدم التغيرات المناخية كنقطة انطلاق لنشر معلومات مضللة حول الرياضة والرياضيين، مثلاً قد يتم استخدام المعلومات المضللة حول تغير المناخ لتبرير إلغاء الفعاليات الرياضية أو لتقليل أهمية الرياضة، كذلك يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقويض الثقة في الرياضة والرياضيين، وخلق بيئة سلبية ومعادية للرياضة، ويؤدي التضليل الإعلامي أيضًا إلى تقسيم مشجعي الرياضة، وتحفيز العنف، وإثارة الكراهية.
وتشكل التغيرات المناخية والتضليل الإعلامي الرياضي أيضا علاقة اشتراكية حيث تؤثر التغيرات المناخية على جداول الأحداث الرياضية وتسبب في تأجيلها أو إلغائها، مما قد يؤدي إلى انتشار الشائعات.
وتلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا في ذلك، فهي تسهل انتشار الشائعات بسرعة فائقة، خاصة في ظل الأحداث المناخية الطارئة، وتعدّ التغيرات المناخية والتضليل الإعلامي الرياضي تهديدين خطيرين للرياضة لذلك من المهم اتخاذ إجراءات لمكافحة هذه التهديدات من أجل حماية مستقبل الرياضة.
نماذج دراسات وتقارير
في سياق العلاقة بين الشائعات الرياضية والتغيرات المناخية، هناك عدد قليل من التقارير التي تتناول هذا الموضوع بشكل مباشر، ومع ذلك هناك اهتمام متزايد من قبل المنظمات الرياضية في معالجة تأثيرات التغير المناخي ونشر الحقائق لتجنب انتشار الشائعات والمعلومات المضللة، على سبيل المثال لا الحصر، مبادرة “الرياضة من أجل العمل المناخي” تحت رعاية الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى توحيد الجهود الرياضية لمكافحة التغير المناخي، تسعى هذه المبادرة إلى دفع المنظمات الرياضية إلى قياس وتقليل والإبلاغ عن انبعاثات غازات الدفيئة.
أيضاً توجد عدة دراسات وتقارير أشارات الى موضوع مكافحة الشائعات الرياضية وتأثير التغيرات المناخية عليها أبرزها هو تقرير من جامعة هارفارد الذي يتناول كيف أن التغيرات المناخية تؤثر على تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى، مثل الألعاب الأولمبية، ويشدد على ضرورة تدقيق المعلومات المتعلقة بهذه التأثيرات لتجنب نشر الشائعات والمعلومات المضللة، كذلك جامعة ستانفورد عملت على إطلاق دورات مجانية عبر الإنترنت حول موضوعات الاستدامة والطاقة، والتي تشمل أيضاً تدقيق المعلومات المتعلقة بتأثير التغيرات المناخية على الرياضة والمجتمعات، توفر هذه الدورات معلومات دقيقة ومحدثة للمساعدة في فهم العلاقة بين المناخ والرياضة والتأكد من نشر الحقائق الصحيحة، هذه التقارير والمبادرات تسهم في تعزيز الفهم العام لأهمية التحقق من المعلومات في مجال الرياضة خاصةً في ظل التغيرات المناخية، وتساعد في محاربة الشائعات التي قد تؤثر على القرارات المتعلقة بتنظيم الأحداث الرياضية العالمية.
مواجهة الشائعات الرياضية أثناء التغيرات المناخية
الشائعات الرياضية المرتبطة بالتغيرات المناخية قبل مكافحتها ومواجهتها، تتطلب أولا التعريف بالشائعات الرياضية وتأثيرها على المجتمع بشكل عام والمجتمع الرياضي بشكل خاص، وتقديم أمثلة على هذه الشائعات الرياضية، وكذلك أسباب انتشار هذه الشائعات وتحليل تلك الأسباب التي تؤدي إلى انتشارها مثل وسائل التواصل الاجتماعي، ونقص المعلومات الرسمية، وتأثير الأزمات.
لذلك تبرز أهمية مكافحة الشائعات الرياضية من خلال نشر المعلومات الصحيحة؛ حيث تُساعد مكافحة الشائعات على انتشار المعلومات الصحيحة حول التغيرات المناخية وأسبابها وتأثيراتها والحلول المقترحة، وتعزيز المشاركة المجتمعية حيث تُشجع مكافحة الشائعات على مشاركة المجتمع في جهود مكافحة التغيرات المناخية من خلال توفير المعلومات الدقيقة لبناء الوعي واتخاذ الإجراءات، ودعم السياسات الفعالة؛ لأن مكافحة الشائعات تساعد على دعم السياسات الفعالة لمكافحة التغيرات المناخية من خلال بناء قاعدة من الرأي العام المُستنير.
نستعرض في التقرير بعض طرق مكافحة الشائعات الرياضية ومن اهمها :
1- التحقق من المعلومات: يجب التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها أو مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها من المنصات.
2- تصحيح المعلومات الخاطئة: يجب تصحيح المعلومات الخاطئة بشكل مباشر وواضح من خلال نشر المعلومات الصحيحة.
3- تثقيف المجتمع وتوعيته حول كيفية التعرف على الشائعات الرياضية وأضرارها على المجتمع وكيفية مكافحتها.
4- دعم المصادر الموثوقة المتخصصة بنشر المعلومات حول التغيرات المناخية، مثل المواقع الإلكترونية للمنظمات الدولية والبحوث العلمية.
5- المشاركة في الحوار حول التغيرات المناخية مع الآخرين، وتقديم المعلومات الصحيحة وتقديم الإجابات على التساؤلات.
6- التكنولوجيا: توظيف واستخدام التكنولوجيا لتتبع الشائعات والتحقق منها، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة.
7- تعزيز التعاون بين الجهات الرياضية والإعلامية، والحكومات، والمؤسسات، بهدف لمكافحة الشائعات وتقديم معلومات دقيقة.
وللحدّ من انتشار المعلومات المضللة والمزيفة ومكافحة الشائعات الرياضية ومحاربة التضليل الإعلامي الرياضي، يمكن أيضا وضع عدد من الاستراتيجيات لمواجهة ذلك منها: تعزيز الشراكات بين المؤسسات الرياضية ومنظمات الأرصاد الجوية لتوفير معلومات دقيقة، وتنظيم حملات التوعية لتعليم الجمهور كيفية التعرف على الأخبار الموثوقة، وبناء شبكة واسعة مع المؤسسات الإعلامية الرياضية لإجراء عملية التحقق السريع باستخدام تقنيات حديثة للتحقق من الأخبار ونشر التصحيحات بسرعة في مواقعها بجميع اللغات، ودور الإعلام الرياضي في توسع الحقائق والمعلومات الصحيحة، وكذلك مسؤولية وسائل الإعلام في نشر المعلومات الصحيحة والتصدي للشائعات.
ومن خلال طرق مكافحة الشائعات بشكل عام ومنها الشائعات الرياضية وإنتاج محتوى إعلامي رياضي حقيقي خالٍ من التضليل يمكن اتخاذ عدد من التدابير لمواجهة هذا التضليل من خلال تعزيز الصحافة الرياضية المسؤولة، وتوفير تعليم إعلامي للمشجعين الرياضيين، ومكافحة المعلومات المضللة على الإنترنت، ودعم المنصات الإعلامية الموثوقة.
مكافحة الشائعات الرياضية تتطلب جهدًا جماعيًا وتعاونًا بين مختلف الأطراف المعنية، ومن خلال العمل المشترك، يمكننا ضمان نقل معلومات دقيقة وموثوقة تساهم في بناء مجتمع رياضي أكثر وعيًا ومرونة في مواجهة التحديات المناخية، أيضا مكافحة الشائعات الرياضية ضرورية لضمان نجاح جهود مكافحة التغيرات المناخية من خلال نشر المعلومات الصحيحة وتثقيف المجتمع ودعم المصادر الموثوقة، وبهذا يمكننا بناء عالم أكثر استدامة.
ولما يشكله انتشار الشائعات الرياضية من خطر يمكن وضع عدد من التوصيات لتعزيز الجهود لمكافحة الشائعات الرياضية، مثل تطوير بروتوكولات أفضل للتواصل، وزيادة الوعي العام، وتعزيز البحوث حول تأثير التغيرات المناخية على الرياضة، الدعوة للعمل أي دعوة الأطراف المعنية لاتخاذ خطوات فعالة لمواجهة الشائعات وتحقيق بيئة رياضية أكثر شفافية واستقرارًا.
الشائعات الرياضية ومكافحة الأخبار الزائفة والمضللة تحتاج جهودًا كبيرة ومثلما تطرقنا لبعض طرق المكافحة وبعض الاستراتيجيات وعدد من التوصيات يمكن أيضا وضع بعض التوجيهات التي ستحد من الشائعات الرياضية ومنها :
1- التدريب: من خلال تنظيم ورش عمل للصحفيين الرياضيين لتعلم أحدث تقنيات التحقق من الأخبار والتعامل مع الأحداث المناخية الطارئة.
2- المراقبة الذكية: وذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة الأخبار الرياضية وتحليل البيانات للكشف عن الأنماط المشبوهة التي قد تشير إلى وجود شائعات أو معلومات غير صحيحة.
3- التواصل الاستباقي: وذلك بإنشاء قنوات تواصل مباشرة تربط الأندية والمؤسسات الرياضية والجهات ذات الصلة مع الجمهور لتقديم معلومات موثوقة بسرعة، خاصة خلال الأحداث الجوية القاسية.
4- تشجيع الشفافية في نقل الأخبار والتقارير الرياضية، مع توضيح المصادر والمراجع المستخدمة.
5- التعاون الدولي ببناء شبكات تعاون دولية بين الهيئات الرياضية لتبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الشائعات.
6- التحليل النقدي من خلال تعليم الجمهور كيفية تحليل الأخبار الرياضية والتمييز بين الحقائق والادعاءات غير المؤكدة.
7- المنصات الرقمية: من خلال إنشاء ودعم المنصات الرقمية المتخصصة في رصد وتفنيد الأخبار الرياضية المضللة والمزيفة بحيث تقدم هذه المنصات تحديثات مباشرة وموثوقة حول الأحداث الرياضية والتغيرات المناخية المؤثرة.
8- التغطية المتوازنة بالحرص على تقديم تغطية إعلامية متوازنة تعكس الواقع دون المبالغة في تأثير الأحداث المناخية على الرياضة.
ختاما، تتطلب مكافحة الشائعات الرياضية خلال التغيرات المناخية جهدًا مستمرًا وتعاونًا من جميع الجهات الفاعلة لأنه من المهم خلق ثقافة تُقدّر المعرفة العلمية والتفكير النقدي، ويجب أن نكون مسؤولين عن المعلومات التي نستهلكها ونشاركها على الإنترنت، لذلك تكمن أهمية مكافحة الشائعات الرياضية في ظل التغيرات المناخية للحفاظ على نزاهة المعلومات واستقرار الأنشطة الرياضية.
تنويه: صورة الغلاف مولدة بالذكاء الاصطناعي.